فصل: السنة الأولى من سلطنة الملك الكامل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الأولى من سلطنة الملك الكامل

محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ست عشرة وستمائة‏.‏

وقد تقدم أن الكامل كان ولي مصر في حياة والده العادل سنين عديدة فلا عمدة بولايته تلك الأيام فإنه كان كالنائب بمصر لأبيه العادل ولا عبرة إلا بعد استقلاله بسلطنة مصر بعد وفاة أبيه‏.‏

فيها أعني سنة ست عشرة وستمائة أخرب الملك المعظم عيسى صاحب دمشق القدس لأنه كان توجه إلى أخيه الملك الكامل صاحب الترجمة في نوبة دمياط في المرة الأولى فبلغه أن الفرنج على عزم أخذ القدس فاتفق الأمراء على خرابه وقالوا‏:‏ قد خلا الشام من العساكر فلو أخذ الفرنج القدس حكموا على الشام جميعه‏.‏

وكان بالقدس أخوه العزيز عثمان وعز الدين أيبك أستادار فكتب إليهما المعظم بخرابه فتوقفا وقالا‏:‏ نحن نحفظه فكتب إليهما المعظم ثانيًا‏:‏ لو أخذوه لقتلوا كل من فيه وحكموا على الشام وبلاد الإسلام فألجأت الضرورة إلى خرابه‏.‏

فشرعوا في خراب السور أول يوم من المحرم ووقع في البلد ضجة عظيمة‏.‏

وخرج النساء المخدرات والبنات والشيوخ وغيرهم إلى الصخرة والأقصى وقطعوا شعورهم ومزقوا ثيابهم وفعلوا أشياء من هذه الفعال ثم خرجوا هاربين وتركوا أموالهم وأهاليهم وما شكوا أن الفرنج تصبحهم وامتلأت بهم الطرقات فتوجه بعضهم إلى مصر وبعضهم إلى الكرك وبعضهم إلى دمشق وكانت البنات المخدرات يمزقن ثيابهن ويربطنها على أرجلهن من الحفا ومات خلق كثير من الجوع والعطش ونهبت الأموال التي كانت لهم بالقدس وبلغ ثمن القنطار الزيت عشرة دراهم والرطل النحاس نصف درهم وذم الناس المعظم فقال بعض أهل العلم في ذلك‏:‏ في رجب حلل الحميا وأخرب القدس في المحرم وقال القاضي مجد الدين محمد بن عبد الله الحنفي قاضي الطور في خراب القدس‏:‏ مررت على القدس الشريف مسلمًا على ما تبقى من زبوع كأنجم ففاضت دموع العين مني صبابةً على ما مضى من عصرنا المتقدم وقد رام علج أن يعفي رسومه وشمر عن كفي لئيمٍ مذمم فقلت له شلت يمينك خلها لمعتبر أو سائل أو مسلم فلو كان يفدى بالنفوص فديته بنفسي وهذا الظن في كل مسلم وفيها حج بالناس من العراق أقباش الناصري ومن الشام مملوك الملك المعظم عيسى‏.‏

وفيها توفيت ست الشام بنت الأمير نجم الذين أيوب أخت السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب كانت سيدة الخواتين في زمنها كانت كثيرة البر والصدقات كانت تعمل في دارها الأشربة والمعاجين والعقاقير كل سنة بألوف دنانير وتفرقها على الناس وكان بابها ملجأ للقاصدين وكان زوجها ابن عمها الأمير ناصر الدين محمد بن شيركوه صاحب حمص وهي أم حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين وصاحبة الأوقاف والأربطة بدمشق وغيرها - رحمها الله تعالى -‏.‏

وفيها توفي محمد بن زنكي الملك المنصور صاحب سنجار كان ملكًا عادلًا عاقلًا جوادًا خلف عدة أولاد‏:‏ سلطان شاه وزنكي ومظفر الدين وعدة بنات‏.‏

وكان من بيت ملك وسلطنة‏.‏

وفيها توفي علي بن القاسم بن علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر ابن صاحب تاريخ دمشق‏.‏

كان فاضلًا سمع الحديث وتفقه وسافر إلى بغداد فلما عاد قطع عليه الطريق فأصابه جراح فمات منه بعد أيام‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي العدل أبو منصور سعيد بن محمد بن سعيد الرزاز فجأة في المحرم‏.‏

وأبو منصور عتيق بن أحمد في صفر‏.‏

والعلامة أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء العكبري الضرير في شهر ربيع الآخر وقد قارب الثمانين‏.‏

وأبو البركات داود بن أحمد بن محمد ابن منصور بن ثابت بن ملاعب الأزجي الوكيل في رجب ولد في أول سنة اثنتين وأربعين‏.‏

وأبو الفضل أحمد بن محمد بن سيدهم الأنصاري بن الهراس الجابي في شعبان وله أربع وثمانون سنة‏.‏

وأبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن علي الأنباري الكاتب سبط قاضي القضاة أبي الحسن بن الدامغاني وله تسعون سنة‏.‏

وأبو يعلى حمزة بن السيد بن أبي لقمة الصفار في شهر رمضان وهو أصغر من أخيه‏.‏

وأبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن مسعود بن سعد بن علي بن الناقد المقرئ ويقال‏:‏ كان آخر من قرأ المصباح على مؤلفه الشهرزوري مات في شوال عن ست وثمانين سنة‏.‏

والخاتون ست الشام أخت الملك العادل في ذي القعدة‏.‏

والعلامة افتخار الدين أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي الحنفي بحلب‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع ونصف إصبع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء‏.‏

السنة الثانية من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة سبع عشرة وستمائة‏.‏

فيها قتل صاحب سنجار أخاه فسار الملك الأشرف موسى أخو الملك الكامل هذا إليها فأخذها وعوض صاحبها الرقة‏.‏

وفيها نزل الملك الأشرف المذكور على الموصل نجدة لبدر الدين علي بن زين الدين وعزم على قصد إربل فبعث الخليفة من رده عن إربل وأصلح بينهما‏.‏

وفيها في شهر رجب كانت واقعة البرلس بين الكامل صاحب الترجمة وبين الفرنج ونصر الله الكامل وقتل منهم عشرة آلاف وغنم خيولهم وسلاحهم ورجعوا إلى دمياط مهزومين‏.‏

وفيها عزل الملك المعظم عيسى صاحب دمشق المبارز المعتمد عن ولاية دمشق وولى عوضه عليها العزيز خليلًا‏.‏

وفيها كان أول ظهور التتار وعبورهم جيحون وكان أول ظهورهم من ما وراء النهر سنة خمس عشرة وستمائة‏.‏

وقبل عبورهم جيحون قصدوا بخارى وسمرقند وقتلوا أهلها وسبوهم وحصروا خوارزم شاه فانضم إليهم الخطا وصاروا تبعًا لهم‏.‏

وكان خوارزم شاه قد أخلى البلاد من الملوك فلم يجدوا أحدًا يردهم ووصلوا في هذه السنة إلى الري وقزوين وهمذان وقتلوا أهلها وأحرقوا مساجدها ثم فعلوا بأذربيجان كذلك‏.‏

وفيها حج بالناس من العراق أقباش الناصري وقتل بمكة ولم يحج أحد من العجم بسبب التتار وعاد الحج البغدادي من على الشام‏.‏

وحج بالناس من الشام المبارز المعتمد‏.‏

وفيها توفي الملك الفائز إبراهيم ابن الملك العادل أبي بكر ابن الأمير نجم الدين أيوب أخو الملك الكامل صاحب الترجمة‏.‏

وقد تقدم أنه كان يريد الوثوب على أخيه الملك الكامل واتفق مع ابن المشطوب حتى أخرجهما أخوه الملك المعظم عيسى من مصر فمات الفائز بين سنجار والموصل فحمل إلى سنجار ودفن بتربة عماد الدين زنكي والد السلطان الملك العادل نور الدين محمود الشهيد ومات وهو في عنفوان شبيبته‏.‏

وفيها توفي الأمير أقباش بن عبد الله الناصري‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ ‏"‏ اشتراه الخليفة يعني الناصر لدين الله وهو ابن خمس عشرة سنة بخمسة آلاف دينار ولم يكن بالعراق أجمل صورة منه ثم قربه إليه ولم يكن يفارقه فلما ترعرع ولاه إمرة الحاج والحرمين وكان متواضعًا محبوبًا إلى القلوب‏.‏

قتل بمكة المشوفة في واقعة بين أشراف مكة خرج ليصلح بينهم فقتل‏.‏

وكان قتله في سادس عشر ذي الحجة‏.‏

وفيها توفي الشيخ عبد الله بن عثمان بن جعفر بن محمد اليونيني أصله من قرية من قرى بعلبك يقال لها ‏"‏ يونين ‏"‏‏.‏

كان صاحب رياضات وكرامات ومجاهدات ومكاشفات وكان من الأبدال‏.‏

وكانت وفاته يوم السبت في العشر الأول من ذي الحجة - رحمه الله -‏.‏

وفيها توفي الشريف قتادة بن إدريس أبو عزيز الحسيني المكي أمير مكة‏.‏

كان شيخًا عارفًا منصفًا نقمة على عبيد مكة المفسدين وكان الحاج في أيامه في أمان على أموالهم ونفوسهم وكان يؤذن في الحرم ب ‏"‏ حي على خير العمل ‏"‏ على قاعدة الرافضة وما كان يلتفت إلى أحد من خلق الله تعالى ولا وطئ بساط الخليفة ولا غيره وكان يحمل إليه من بغداد في كل سنة الذهب والخلع وهو بداره في مكة وهو يقول‏:‏ أنا أحق بالخلافة من الناصر لدين الله ولم يرتكب كبيرة فيما قيل‏.‏

قلت‏:‏ وأي كبيرة أعظم من الرفض وسب الصحابة‏!‏ - رضي الله عنهم -‏.‏

وفيها توفي محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المنصور صاحب حماة‏.‏

كان شجاعًا محبًا للعلماء والفضلاء مات بحماة ودفن بها‏.‏

وقام بعده ولده الأكبر الملك الصالح الناصر قليج أرسلان‏.‏

وجرى له مع الملك الكامل صاحب الترجمة أمور وفصول‏.‏

وفيها توفي محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن أرتق الملك الصالح ناصر الدين صاحب آمد كان شجاعًا عاقلًا جوادًا محبًا للعلماء وكان الأشرف يحبه وجاء إلى الأشرف وخدمه غير مرة ة ومات بآمد في صفر‏.‏

وقام بعده ولده مسعود وكان مسعود ضد اسمه بخيلًا فاسقًا حصره الملك الكامل هذا وظفر به وأخذه إلى مصر وأحسن إليه فكاتب الروم وسعى في هلاك الكامل فحبسه الكامل - لما سمع ذلك - في الحبس مدة ثم أطلقه فمضى إلى التتار وكان معه الجواهر والأموال فقتلته التتار وأخذوا جميع ما كان معه‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي عبد الرحمن بن أحمد بن هدية الوراق في شهر ربيع الأول وقد جاوز التسعين وهو آخر من روى عن عبد الوهاب الأنماطي‏.‏

وشيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن محمد بن أبي الفتح عمر بن علي بن محمد بن حفويه في جمادى الأولى ذاهبًا في الرسلية من الكامل بالموصل وله أربع وسبعون سنة‏.‏

وصاحب حماة الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه‏.‏

والزاهد الكبير الشيخ عبد الله اليونيني في ذي الحجة ببعلبك‏.‏

وصاحب مكة قتادة بن إدريس الحسيني‏.‏

وأبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي المقرئ في شوال‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع ونصف إصبع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني أصابع‏.‏

السنة الثالثة من سلطنة الملك الكامل بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ثماني عشرة وستمائة‏.‏

فيها توفي إسماعيل بن عبد الله أبو طاهر الأنماطي المحدث كان إمامًا فاضلًا سمع الكثير ولقي الشيوخ وحدث وتوفي بدمش في شهر رجب وكان ثقةً‏.‏

وفيها توفي محمد بن خلف بن راجح المقدسي ويلقب بالشهاب والد القاضي نجم الدين كان زاهدًا عابدًا فاضلًا في فنون العلوم‏.‏

وفيها توفي محمد بن محمد الشيخ الإمام النحوي التكريني كان بارعًا في النحو والأدب والشعر‏.‏

ومن شعره قوله‏:‏ من كان ذم الرقيب يومًا فإنني للرقيب شاكر لم أر وجه الرقيب وقتًا إلا ووجه الحبيب حاضر وله في مجنونة‏:‏ أمسيت مجنونًا بمجنونةٍ يغار من قامتها الغصن فمن عذيري من هوى ظبيةٍ قد عشقتها الإنس والجن قلت‏:‏ وطريف قول الشيخ زين الدين عمر بن الوردي - رحمه الله - في هذا المعنى‏:‏ زاد جنوني بذي جنونٍ معذر والعذار زين قالوا به عارض وعين قلت وبي عارض وعين الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي شهاب الدين محمد بن خلف بن راجح المقدسي في صفر وله ثمان وستون سنة‏.‏

وأبو محمد هبة الله ابن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاوس في جمادى الأولى وله إحدى وثمانون سنة‏.‏

وأبو نصر موسى ابن الشيخ عبد القادر الجيلي جمادى الآخرة‏.‏

واستشهد بهمذان خلق بأيدي التتار منهم‏:‏ الإمام تقي الدين أبو جعفر محمد بن محمود بن إبراهيم الحمامي الواعظ‏.‏

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن هبة الله الروذراوري‏.‏

وبهراة أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي‏.‏

وبنيسابور أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر بن الصفار‏.‏

وأبو النجيب إسماعيل بن عثمان بن إسماعيل بن أبي القاسم القارئ الصوفي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وست أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبعان‏.‏

السنة الرابعة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة تسع عشرة وستمائة‏.‏

فيها ظهر جراد بالشام أكل الشجر والزروع والثمر ولم ير مثله‏.‏

وفيها نقلت رمة الملك العادل أبي بكر من قلعة دمشق إلى مدرسته التي عند دار العقيقي وفيها توفي مسمار بن عمر بن محمد الشيخ أبو بكر بن العويس البغدادي في شعبان بالموصل وكان فاضلًا ثقة‏.‏

وفيها توفي نصر بن أبي الفرج الفقيه الحنبلي كان إمام الحنابلة بمكة جاور بمكة سنين ثم خرج إلى اليمن فمات بالمهجم ودفن به وكان صالحًا متعبدًا لا يفتر عن الطواف‏.‏

وفيها توفي الأمير قطب الدين أحمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب أخو الملك الكامل محمد هذا‏.‏

مات بالفيوم فنقل إلى القاهرة ودفن بها‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الحافظ أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج البغدادي ابن الحصري المقرئ الحنبلي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

والحافظ أبو الطاهر تقي الدين إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن المصري ابن الأنماطي في رجب كهلًا‏.‏

وأبو بكر مسمار بن عمر بن محمد بن العويس النيار بالموصل في شعبان‏.‏

والقدوة الشيخ علي ابن أبي بكر محمد بن عبد الله بن إدريس اليعقوبي في ذي القعدة‏.‏

وأبو سعد ثابت بن مشرف المعمار في ذي الحجة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وسبع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏

بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة عشرين وستمائة‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ ففيها عاد الملك الأشرف موسى من مصر إلى الشام قاصدًا بلاده بالشرق فالتقاه أخوه المعظم عيسى وعرض عليه النزول بالقلعة فامتنع ونزل بجوسق والده العادل وبدت الوحشة بين الإخوة الثلاثة يعني الكامل محمدًا صاحب الترجمة والمعظم عيسى صاحب دمشق والأشرف موسى صاحب خلاط وغيرها قال‏:‏ ثم رحل الأشرف سحرًا على ضمير ثم سار إلى حران وكان الأشرف قد استناب أخاه شهاب الدين غازيًا صاحب ميافارقين على خلاط لما سافر إلى مصر وجعله ولي عهده ومكنه من بلاده فسولت له نفسه العصيان وحسن له ذلك الملك المعظم وكاتبه وأعانه وكذا كاتبه صاحب إربل والمشارقة فأرسل الأشرف إلى غازي المذكور يطلبه فامتنع فأرسل إليه‏:‏ يا أخي لا تفعل أنت ولي عهدي والبلاد في حكمك فأبى فجمع الأشرف عساكره وقصده ووقع له معه أمور حتى هزمه ثم رضي عنه الأشرف حسب ما نذكره في السنة الآتية‏.‏

وفيها كانت بين التتار الذين جاؤوا إلى الدربند وبين القبجاق والروس وقعة هائلة وصبر الفريقان أيامًا ثم انهزم القبجاق والروس ولم يسلم منهم إلا اليسير‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب التصانيف‏.‏

ولد بجماعيل في شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وقرأ القراءات واشتغل في صغره وسمع من أبيه سنة نيفٍ وخمسين ورحل إلى البلاد وسمع الكثير وكتب وصنف وبرع في الفقه والحديث وأفتى ودرس وشاع ذكره وبعد صيته‏.‏

وكانت وفاته في يوم عيد الفطر وله ثمانون سنة‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الإمام المفتي فخر الدين أبو منصور الدمشقي الشافعي المعروف بابن عساكر شيخ الشافعية بالشام‏.‏

ولد في سنة خمسين وخمسمائة وسمع من عميه هبة الله والحافظ أبي القاسم وجماعة أخر وتفقه على حميه قطب الدين النيسابوري وكان بارعًا مفتنًا مدرسًا فقيهًا عالمًا محدثًا وكانت وفاته في شهر رجب‏.‏

وفيها توفي ملك الغرب يوسف بن محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ابن علي السلطان المستنصر بالله الملقب بأمير المؤمنين المكنى أبا يعقوب القيسي المغربي صاحب بلاد المغرب لم يكن في بني عبد عبد المؤمن أحسن صورة منه ولا أبلغ خطابًا ولكنه كان مشغولًا باللذات ومات وهو شاب في هذه السنة ولم يخلف ولدًا فاتفق أهل دولته على تولية الأمر لأبي محمد عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي فولي ولم يحسن التدبير ولا المداراة‏.‏

وكان مولد يوسف صاحب الترجمة في سنة أربع وتسعين وخمسمائة وأمه أم ولد رومية اسمها قمر وكانت دولته عشر سنين وشهرين‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو سعد عبد السلام بن المبارك بن عبد الجبار بن محمد بن عبد السلام بن الردغولي في المحرم وله تسع وثمانون سنة‏.‏

والعلامة فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن ابن عساكر الشافعي في رجب وله سبعون سنة‏.‏

والعلامة موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي شيخ الحنابلة في يوم الفطر وله ثمانون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع ونصف إصبع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء‏.‏

السنة السادسة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة إحدى وعشرين وستمائة‏.‏

فيها استرد الملك الأشرف موسى مدينة خلاط من أخيه شهاب الدين غازي وأبقى عليه ميافارقين ورضي عنه بعد أمور وقعت بينهما وقد تقدم ذكر ذلك أيضًا‏.‏

وفيها ظهر السلطان جلال اللين بن خوارزم شاه بعد ما انفصل عن بلاد الهند وكرمان واستولى على أذربيجان وحكم عليها‏.‏

وراسله الملك المعظم عيسى ليعينه على قتال أخيه الملك الأشرف موسى ثم كتب المعظم أيضًا لصاحب إربل في هذا المعنى وبعث ولده الملك الناصر داود إليه رهينة‏.‏

وفيها استولى بدر الدين لؤلؤ على الموصل وأظهر أن الملك محمود بن القاهر قد توفي وكان قد أمر بخنقه‏.‏

وفيها بنى الملك الكامل صاحب الترجمة دار الحديث الكاملية بالقاهرة في بين القصرين وجعل أبا الخطاب بن دحية شيخها‏.‏

وفيها قدم الملك مسعود أضسيس المشهور بأقسيس على أبيه الملك الكامل من اليمن طائعًا وعزمه أخذ الشام من عمه الملك المعظم عيسى وقدم لأبيه أشياء عظيمة منها مائتا خادم‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ وفيها عادت التتار من بلاد القبجاق ووصلت إلى الري وكان من سلم من أهلها قد عمروها فلم يشعروا إلا بقدوم التتار بغتة فوضعوا فيهم السيف ثم فعلوا بعدة بلاد أخر وفيها حدثت واقعة قبيحة من الكرج وهو أن الكرج - لعنهم الله - لم يبق فيهم من بيت الملك أحد سوى امرأة فملكوها عليهم‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ ثم طلبوا لها زوجًا يتزوجها وينوب عنها في الملك ويكون من بيت مملكة‏.‏

وكان صاحب أرزن الروم مغيث الدين طغرل شاه بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان وهو من الملوك السلجوقية وله ولد فأرسل إلى الكرج يخطب الملكة لولده فامتنعوا وقالوا‏:‏ لا يملكنا مسلم فقال لهم‏:‏ إن ابني يتنصر ويتزوجها فأجابوا فتنصر وتزوج بها وأقام عندها حاكمًا في بلادهم فنعوذ بالله من الخذلان‏!‏ وكانت الملكة تهوى مملوكًا فكان هذا الزوج يسمع عنها من القبائح أشياء ولا يمكنه الكلام لعجزه فدخل يومًا فرآها مع المملوك فأنكر ذلك فقالت‏:‏ إن رضيت بذا وإلا أنت أخبر بما أفعله معك‏!‏‏.‏

فقال‏:‏ إنني لا أرضى بهذا فنقلته إلى بلد آخر ووكلت به من يحفظه وحجرت عليه وأرسلت إلى بلاد اللان وأحضرت رجلين وصفًا لها بحسن الصورة فتزوجت بأحدهما وبقي معها ذاك يسيرًا ثم فارقته وأحضرت آخر من كنجة وهو مسلم فطلبت منه أن يتنصر ويتزوجها فلم يفعل فأرادت أن تتزوجه وهو مسلم فقام عليها الأمراء ومعهم إبواني مقدمهم وقالوا لها‏:‏ فضحتينا بين الملوك بما تفعلين‏!‏ ‏"‏ ثم تريدين أن يتزوجك مسلم وهذا لا نمكنك منه أبدًا ‏"‏ والأمر بينهم متردد والرجل الكنجي عندهم ‏"‏ لم يجبهم إلى الدخول في النصرانية وهي وفيها توفي فخر الدين أبو المعالي محمد بن أبي الفرج الموصلي المقرئ ببغداد في شهر رمضان‏.‏

وكان إمامًا فاضلًا بارعًا في فنون‏.‏

ومن شعره ‏"‏ مواليا ‏"‏‏:‏ ساق قمر بكفه شمس ضحا قد أسكرني من راحتيه وصحا لو أمكنني والراح في راحته في الحان شربت كفه والقدحا قلت‏:‏ ويعجبني في هذا المعنى قول أبي الحسن علي بن عبد الغني الفهري القيرواني الضرير المعروف بالحصري الشاعر المشهور ووفاته سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وهما‏:‏ أقول له وقد حيا بكأسٍ لها من مسك ريقته ختام أمن خديك يعصر قال كلا متى عصرت من الورد المدام وفيها توفي القاضي أبو البركات عبد القوي بن عبد العزيز بن الجباب السعدي في شوال وله خمس وثمانون سنة‏.‏

وكان عالمًا بارعًا دينًا‏.‏

عفيفًا أفتى وعرس سنين‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو جعفر محمد بن هبة الله بن مكرم الصوفي ببغداد في المحرم‏.‏

وأبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي المقرئ بواسط‏.‏

وأبو العباس أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن صرمى الأزجي في شعبان‏.‏

وفخر الدين أبو المعالي محمد بن أبي الفرج الموصلي البغدادي المقرئ في رمضان‏.‏

الماء القديم ثلاث أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة السابعة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة اثنتين وعشرين وستمائة‏.‏

فيها في شهر ربيع الأولى وصل السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه إلى دقوقا فافتتحها بالسيف وأحرق البلد ونهب أهلها وفعل فيها ما لا تفعله الكفار لكونهم شتموه ولعنوه على الأسوار ثم عزم على قصد بغداد فانزعج الخليفة الناصر لدين الله واستعد لقتاله وأنفق ألف ألف دينار في هذا المعنى‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ ‏"‏ قال لي الملك المعظم عيسى‏:‏ كتب إلي جلال الدين يقول‏:‏ تحضر أنت ومن عاهدني فنتفق حتى نقصد الخليفة فإنه كان السبب في هلاك المسلمين وفي هلاك أبي وفي مجيء الكفار إلى البلاد ووجدنا كتبه إلى الخطا وتواقيعه لهم بالبلاد والخلع والخيل فقال المعظم‏:‏ فكتبت إليه‏:‏ أنا معك على كل أحد إلا على الخليفة فإنه إمام المسلمين ‏"‏‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ثم وقع لجلال الدين المذكور في هذه السنة أمور ووقائع مع غير الخليفة من الملوك يطول وفيها توفي الخليفة الناصر لدين الله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد ابن الخليفة المستضيء بالله أبي محمد الحسن ابن الخليفة المستنجد بالله أبي المظفر يوسف ابن الخليفة المقتفي بأمر الله أبي عبد الله محمد ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد الهاشمي العباسي البغدادي‏.‏

ولد يوم الاثنين عاشر شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وبويع بالخلافة بعد موت أبيه المستضيء في أول ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة‏.‏

وأمه أم ولد تركية‏.‏

قال الشيخ شمس الدين‏:‏ ‏"‏ وكان أبيض اللون تركي الوجه مليح العينين أنور الجبهة أقنى الأنف خفيف العارضين أشقر اللحية رقيق المحاسن‏.‏

كان نقش خاتمه‏:‏ ‏"‏ رجائي من الله عفوه ‏"‏‏.‏

لم يل الخلافة قبله أحد من بني العباس أطول مدة منه إلا ما ذكرنا من خلفاء العبيدية المستنصر معد ‏"‏ انتهى‏.‏

وفي أيام الناصر لدين الله ظهرت الفتوة ببغداد ورمي البندق ولعب الحمام المناسيب وافتن الناس في ذلك ودخل فيه الأجلاء ثم الملوك فألبسوا الملك العادل ثم أولاده سراويل الفتوة ولبسها أيضًا الملك شهاب الدين صاحب غزنة والهند من الخليفة الناصر لدين الله ولبسها جماعة أخر من الملوك‏.‏

وأما لعب الحمام فخرج فيه عن الحد يحكى عنه أنه لما دخلت التتار البلاد وملكوا من ما وراء النهر إلى العراق وقتلوا تلك المقتلة من المسلمين التي ما نكب المسلمون بأعظم منها دخل عليه الوزير فقال له‏:‏ آه يا مولانا إن التتار قد ملكت البلاد وقتلت المسلمين‏!‏ فقال له الناصر لدين الله‏:‏ دعني أنا في شيء أهم من ذلك‏!‏ طيرتي البلقاء لي ثلاثة أيام ما رأيتها‏!‏ وفي هذه الحكاية كفاية إن صحت عنه‏.‏

وكانت وقاته في سلخ شهر رمضان وكانت خلافته سبعًا وأربعين سنة‏.‏

وبويع بعده لولده أبي نصر ولقب بالظاهر بأمر الله فكانت خلافه الظاهر المذكور تسعة أشهر ومات‏.‏

حسب ما يأتي ذكره‏.‏

وفيها توفي السلطان الملك الأفضل على بن ابن السلطان صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيوب في يوم الجمعة من شهر ربيع الأول من السنة وهو الذي كان ملك الشام في حياة أبيه ثم من بعده ووقع له تلك الأمور مع أخيه وعمه العادل وقد تقدم ذكر ذلك كله وتنقلت به الأحوال إلى أن صار صاحب سميساط وبقي بها إلى أن مات في هذه السنة‏.‏

وكان مولده بمصر في سلطنة والده سنة خمس وستين وخمسمائة‏.‏

وكان فاضلًا شاعرًا حسن الخط قليل الحظ غير مسعود في حركاته - رحمه الله تعالى - - ومن شعره - مما كتبه إلى الخليفة لما خرج من دمشق واتفق عليه الملك العادل عمه والعزيز أخوه -‏:‏ مولاي إن أبا بكر وصاحبه عثمان قد غصبا بالسيف حق علي فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي من الأواخر ما لاقى من الأول الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الواعظ أبو إسحاق إبراهيم بن المظفر بن إبراهيم بن البرني بالموصل في المحرم‏.‏

والخطيب المفسر فخر الدين محمد بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني في صفر‏.‏

والملك الأفضل علي بن السلطان صلاح الدين بسميساط في صفر وله سبع وخمسون سنة‏.‏

وأبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك الجلال بن البناء بمكة في شهر ربيع الأول‏.‏

وعبد المحسن خطيب الموصل ابن عبد الله بن أحمد الطوسي في شهر ربيع الأول‏.‏

وقاضي القضاة بالقاهرة زين الدين علي ابن العلامة يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي‏.‏

والوزير الكبير صفي الدين عبد الله بن علي الشيبي ابن شكر بالقاهرة في شعبان‏.‏

ومجد الدين أبو المجد محمد بن الحسين القزويني الصوفي بالموصل في شعبان‏.‏

والناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بالله حسن بن المستنجد في سلخ شهر رمضان وله سبعون سنة وكانت خلافته سبعًا وأربعين سنة‏.‏

وفخر الدين محمد بن إبراهيم بن أحمد الفارسي الخبري الصوفي بمصر في ذي الحجة وله أربع وتسعون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع ونصف إصبع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وتسع عشرة إصبعًا‏.‏

M0لنة الثامنة من سلطنة الملك الكامل محمد وهي سنة ثلاث وعشرين وستمائة‏.‏

فيها قدم الشيخ محيي الدين بن الجوزي إلى دمشق رسولًا إلى الملك المعظم عيسى صاحب دمشق ومعه الخلع له ولإخوته أولاد العادل من الخليفة الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد العباسي المتولي الخلافة بعد وفاة والده الناصر لدين الله‏.‏

ومضمون رسالته طلب رجوع المعظم عن موالاة ابن الخوارزمي‏.‏

قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي قال لي الملك المعظم قال خالك‏:‏ المصلحة رجوعك عن هذا الخارجي يعني جلال الدين بن الخوارزمي وترجع إلى إخوتك ونصلح بينكم قال‏:‏ فقلت لخالك‏:‏ إذا رجعت عن ابن الخوارزمي وقصدني إخوتي تنجدونني‏.‏

قال‏:‏ نعم فقلت‏:‏ ما لكم عادة تنجحون أحدًا‏!‏ هذه كتب الخليفة الناصر لدين الله عندنا ونحن على دمياط نكتب ونستصرخ به فيجيء الجواب بأنا قد كتبنا إلى ملوك الجزيرة ولم يفعلوا‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ مثلي معكم كمثل رجل كان يخرج إلى الصلاة وبيده عكاز خوفًا من الكلاب فقال له بعض أصدقائه‏:‏ أنت شيخ كبير وهذا العكاز يثقلك وأنا أدلك على شيء يغنيك عن حمله قال‏:‏ وما هو قال‏:‏ تقرأ سورة يس عند خروجك من الدار وما يقربك كلب وأقام مدة فرأى الشيخ حامل العكاز فقال له‏:‏ أما قد علمتك ما يغنيك عن حمله فقال‏:‏ هذا العكاز لكلب لا يعرف القرآن‏.‏

وقد اتفق إخوتي علي وقد أنزلت ابن الخوارزمي على خلاط إن قصدني أخي الأشرف منعه وإن قصدني أخي الكامل يعني صاحب الترجمة فأنا له‏.‏

ثم اصطلح الإخوة‏.‏

بعد ذلك في السنة‏.‏

وفيها توفي كافور بن عبد الله شبل الدولة الحسامي خادم ست الشام بنت أيوب‏.‏

كان عاقلًا دينًا صالحًا بني مدرسته على نهر ثورا بدمشق لأصحاب أبي حنيفة - رضي الله عنه - والخانقاه إلى جانب مدرسته‏.‏

وكانت وفاته بدمشق في شهر رجب‏.‏

وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد الهاشمي البغدادي‏.‏

ولي الخلافة بعد وفاة أبيه في السنة الماضية فلم تطل مدته فيها ووقع له شدائد إلى أن مات في شهر رجب وأمه أم ولد‏.‏

وكانت خلافته تسعة أشهر وأيامًا وكان مولده في المحرم سنة سبعين وخمسمائة وكان جميل الصورة أبيض مشربا بحمرة حلو الشمائل شديد القوى‏.‏

أفضت الخلافة إليه وله اثنتان وخمسون سنة إلا أشهرًا فقيل له‏:‏ إلا تنفسح فقال‏:‏ قد فات الزرع‏!‏ فقيل له‏:‏ يبارك الله في عمرك فقال‏:‏ من فتح دكانًا بعد العصر إيش يكسب‏!‏‏.‏

وكان خيرًا عادلًا قطع الظلامات والمكوس حتى قيل‏:‏ إن جملة ما قطع من الظلامات والمكوس ثمانية آلاف دينار في كل سنة وتصدق في ليلة العيد بمائة ألف دينار‏.‏

وسببه أنه لما ولي الخلافة ولى الشيخ عماد الدين ابن الشيخ عبد القادر الجيلي القضاء فما قبل عماد الدين إلا بشرط أن يورث ذوي الأرحام فقال له الخليفة‏:‏ أعط كل ذي حق حقه واتق الله ولا تثق بسواه فكلمه القاضي أيضًا في الأوراق التي ترفع إلى الخليفة وهو أن حراس الحروب كانت ترفع إلى الخليفة في صبيحة كل يوم ما يكون عندهم من أحوال الناس الصالحة والطالحة فأمر الظاهر بتبطيل ذلك وقال‏:‏ أي فائدة في كشف أحوال الناس‏!‏ فقيل له‏:‏ إن تركت ذلك فسدت أحوال الرعية فقال‏:‏ نحن ندعو لهم بالإصلاح‏.‏

ثم أعطى القاضي المذكور عشرة آلاف دينار يفي بها ديون من في السجون من الفقراء ثم فرق بقية المائة الألف الدينار في العلماء والفقراء‏.‏

ولما مات الظاهر تولى الخلافة بعده ولده المستنصر بالله أبو جعفر‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو المحاسن محمد بن السيد بن أبي لقمة الأنصاري الصفار في شهر ربيع الأول عن أربع وتسعين سنة‏.‏

وقاضي الشام جمال الدين يونس بن بدران القرشي المصري الشافعي في شهر ربيع الأول ودفن بقرب القليجية‏.‏

وشمس الدين أحمد بن عبد الواحد المقدسي الملقب بالبخاري الفقيه المناظر في جمادى الآخرة وله تسع وخمسون سنة‏.‏

والتقي خزعل بن عسكر المصري النحوي اللغوي بدمشق‏.‏

والمحاري‏.‏

الزاهد أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بحلب في جمادى الآخرة وله تسعون سنة‏.‏

والعلامة إمام الدين عبد الكريم بن محمد بن الفضل الرافعي القزويني صاحب الشرح‏.‏

والظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله في رجب وله ثلاث وخمسون سنة وكانت خلافته عشرة أشهر‏.‏

وبويع بعده ابنه المستنصر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبع واحدة‏.‏